فصل: (إِي):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.(إِي):

حَرْفُ جَوَابٍ بِمَعْنَى نَعَمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ}، وَلَا يَأْتِي قَبْلَ النَّهْيِ صِلَةً لَهَا.

.حَرْفُ الْبَاءِ:

أَصْلُهُ لِلْإِلْصَاقِ وَمَعْنَاهُ اخْتِلَاطُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ وَيَكُونُ حَقِيقَةً وَهُوَ الْأَكْثَرُ نَحْوُ بِهِ داء ومجازا كـ: (مررت بِهِ) إِذْ مَعْنَاهُ جَعَلْتُ مُرُورِي مُلْصَقًا بِمَكَانٍ قَرِيبٍ مِنْهُ لَا بِهِ فَهُوَ وَارِدٌ عَلَى الِاتِّسَاعِ.
وَقَدْ جَعَلُوا مِنْهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا برؤوسكم}.
وَقَدْ تَأْتِي زَائِدَةً:
إِمَّا مَعَ الْخَبَرِ نَحْوُ: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}.
وَإِمَّا مَعَ الْفَاعِلِ نَحْوُ: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} فـ: (الله) فاعل وشهيدا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَوِ التَّمْيِيزِ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ وَدَخَلَتْ لِتَأْكِيدِ الِاتِّصَالِ أَيْ لِتَأْكِيدِ شِدَّةِ ارْتِبَاطِ الْفِعْلِ بِالْفَاعِلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَطْلُبُ فَاعِلَهُ طَلَبًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَالْبَاءُ تُوَصِّلُ الْأَوَّلَ إِلَى الثَّانِي فَكَأَنَّ الْفِعْلَ يَصِلُ إِلَى الْفَاعِلِ وَزَادَتْهُ الْبَاءُ اتِّصَالًا.
قَالَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ: فَعَلُوا ذَلِكَ إِيذَانًا بِأَنَّ الْكِفَايَةَ مِنَ اللَّهِ لَيْسَتْ كَالْكِفَايَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي عِظَمِ الْمَنْزِلَةِ فَضُوعِفَ لَفْظُهَا لِيُضَاعَفَ مَعْنَاهَا.
وَقِيلَ: دَخَلَتِ الْبَاءُ لِتَدُلَّ عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ الْمَعْنَى اكْتَفُوا بِاللَّهِ.
وَقِيلَ: الْفَاعِلُ مُقَدَّرٌ وَالتَّقْدِيرُ كَفَى الِاكْتِفَاءُ بِاللَّهِ فَحُذِفَ الْمَصْدَرُ وَبَقِيَ مَعْمُولُهُ دَالًّا عَلَيْهِ.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْبَاءَ إِذَا سَقَطَتِ ارْتَفَعَ اسم (الله) على الفاعلية كقوله:
عميرة ودع إن تجهزت غاديا ** كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا

وَإِمَّا مَعَ الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.
وقوله: {تلقون إليهم بالمودة} أَيْ تَبْذُلُونَهَا لَهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.
وقوله: {بأيكم المفتون} جُعِلَتِ الْمَفْتُونُ اسْمَ مَفْعُولٍ لَا مَصْدَرًا كَالْمَعْقُولِ وَالْمَعْسُورِ وَالْمَيْسُورِ.
وَقَوْلِهِ: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله}.
{ومن يرد فيه بإلحاد بظلم}.
{تنبت بالدهن}.
وقوله: {وامسحوا برؤوسكم} وَنَحْوِهِ.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِيءُ زَائِدَةً وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِزِيَادَتِهَا إِذَا تَأَدَّى الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ بِوُجُودِهَا وَحَالَةِ عَدَمِهَا عَلَى السَّوَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَذِهِ الْأَمْثِلَةُ فَإِنَّ مَعْنَى: {وَكَفَى بالله شهيدا}، كما هي في أحسن بزيد ومعنى: {وامسحوا برؤوسكم} اجعلوا المسح ملاصقا برؤسكم وَكَذَا {بِوُجُوهِكُمْ} أَشَارَ إِلَى مُبَاشَرَةِ الْعُضْوِ بِالْمَسْحِ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْسُنْ فِي آيَةِ الْغُسْلِ فَاغْسِلُوا بِوُجُوهِكُمْ لِدَلَالَةِ الْغَسْلِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَهَذَا كَمَا تَتَعَيَّنُ الْمُبَاشَرَةُ فِي قَوْلِكَ أَمْسَكْتُ بِهِ وَتَحْتَمِلُهَا فِي أَمْسَكْتُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} فَحُذِفَ الْمَفْعُولُ لِلِاخْتِصَارِ.
وأما {تلقون إليهم بالمودة} فَمَعْنَاهُ: تُلْقُونَ إِلَيْهِمُ النَّصِيحَةَ بِالْمَوَدَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ النَّحَّاسِ: مَعْنَاهُ تُخْبِرُونَهُمْ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ الرَّجُلُ أَهْلَ مَوَدَّتِهِ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: ضُمِّنَ {تُلْقُونَ} مَعْنَى تَرْمُونَ مِنَ الرَّمْيِ بِالشَّيْءِ يُقَالُ أَلْقَى زَيْدٌ إِلَيَّ بِكَذَا أَيْ رَمَى بِهِ وَفِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ إِلْقَاءٌ بِكِتَابٍ أَوْ بِرِسَالَةٍ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَوَدَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ الْمَوَدَّةِ فَلِهَذَا جِيءَ بِالْبَاءِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {كَفَى بِنَفْسِكَ اليوم عليك حسيبا}، فَلَيْسَتْ زَائِدَةً وَإِلَّا لَلَحِقَ الْفِعْلَ قَبْلَهَا عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ لِأَنَّهُ لِلنَّفْسِ وَهُوَ مِمَّا يَغْلُبُ تَأْنِيثُهُ.
وَجُوِّزَ فِي الْفِعْلِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ كَانَ مُقَدَّرَةً بَعْدَ كَفَى وَيَكُونَ بِنَفْسِكَ صِفَةً لَهُ قَائِمَةً مَقَامَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُضْمَرٌ يُفَسِّرُهُ الْمَنْصُوبُ بَعْدَهُ أَعْنِي حَسِيبًا كَقَوْلِكَ نِعْمَ رَجُلًا زَيْدٌ.
وَتَجِيءُ لِلتَّعْدِيَةِ وَهِيَ الْقَائِمَةُ مَقَامَ الْهَمْزَةِ فِي إِيصَالِ الْفِعْلِ اللَّازِمِ إِلَى الْمَفْعُولِ بِهِ نحو: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم} أَيْ أَذْهَبَ.
كَمَا قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البيت}.
وَلِهَذَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَهُمَا مُتَعَاقِبَتَانِ وَأَمَّا قوله تعالى: {أسرى بعبده} فَقِيلَ: أَسْرَى وَسَرَى بِمَعْنًى كَسَقَى وَأَسْقَى وَالْهَمْزَةُ لَيْسَتْ لِلتَّعْدِيَةِ وَإِنَّمَا الْمُعَدَّى الْبَاءُ فِي بِعَبْدِهِ.
وَزَعَمَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّ مَفْعُولَ أَسْرَى مَحْذُوفٌ وَأَنَّ التَّعْدِيَةَ بِالْهَمْزَةِ أَيْ أَسْرَى اللَّيْلَةَ بِعَبْدِهِ.
وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا بِمَعْنَى الْهَمْزَةِ لَا تَقْتَضِي مُشَارَكَةَ الْفَاعِلِ لِلْمَفْعُولِ وَذَهَبَ الْمُبَرِّدُ وَالسُّهَيْلِيُّ أَنَّهَا تَقْتَضِي مُصَاحَبَةَ الْفَاعِلِ لِلْمَفْعُولِ فِي الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْهَمْزَةِ وَرُدَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}.
{ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم} أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَذْهَبُ مَعَ سَمْعِهِمْ فَالْمَعْنَى لَأَذْهَبَ سَمْعَهُمْ.
وَقَالَ الصَّفَّارُ: وَهَذَا لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ ذَهَبَ الْبَرْقَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَكُونَ الذَّهَابُ عَلَى صِفَةٍ تَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ كما قال {وجاء ربك}.
قَالَ: وَإِنَّمَا الَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
دِيَارُ الَّتِي كَانَتْ وَنَحْنُ عَلَى مِنًى ** تَحِلُّ بنا لولا بحاء الرَّكَائِبِ

أَيْ تَجْعَلُنَا حُلَّالًا لَا مُحْرِمِينَ وَلَيْسَتِ الدِّيَارُ دَاخِلَةً مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لِكَوْنِ الْبَاءِ بِمَعْنَى الْهَمْزَةِ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فإن قلت: كيف جاء: {تنبت بالدهن} وَالْهَمْزَةُ فِي أَنْبَتَ لِلنَّقْلِ؟
قُلْتُ: لَهُمْ فِي الِانْفِصَالِ عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ زَائِدَةً.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا بَاءُ الْحَالِ كَأَنَّهُ قَالَ: تُنْبِتُ ثَمَرَهَا وَفِيهِ الدُّهْنُ أَيْ وَفِيهِمَا الدُّهْنُ وَالْمَعْنَى تَنْبُتُ الشَّجَرَةُ بِالدُّهْنِ أَيْ مَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْهُ وَتَخْتَلِطُ بِهِ الْقُوَّةُ بِنَبْتِهَا عَلَى مَوْقِعِ الْمِنَّةِ وَلَطِيفِ الْقُدْرَةِ وَهِدَايَةً إِلَى اسْتِخْرَاجِ صِبْغَةِ الْآكِلِينَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ نَبَتَ وَأَنْبَتَ بمعنى.
وَلِلِاسْتِعَانَةِ وَهِيَ الدَّالَّةُ عَلَى آلَةِ الْفِعْلِ نَحْوُ كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَمِنْهُ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ: {بسم الله الرحمن الرحيم}.
وَلِلتَّعْلِيلِ بِمَنْزِلَةِ اللَّامِ كَقَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ باتخاذكم العجل} {فبظلم من الذين هادوا}.
{فكلا أخذنا بذنبه}.
وَلِلْمُصَاحَبَةِ بِمَنْزِلَةِ مَعَ وَتُسَمَّى بَاءَ الْحَالِ كَقَوْلِهِ تعالى: {قد جاءكم الرسول بالحق} أي مع الحق أو محقا.
{يا نوح اهبط بسلام منا}.
وَلِلظَّرْفِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ فِي.
وَتَكُونُ مَعَ الْمَعْرِفَةِ نَحْوُ: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل}.
{وبالأسحار هم يستغفرون}.
وَمَعَ النَّكِرَةِ نَحْوُ: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأنتم أذلة}.
{نجيناهم بسحر}.
قَالَ أَبُو الْفَتْحِ فِي التَّنْبِيهِ وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ إِلَّا مَعَ الْمَعْرِفَةِ نَحْوُ كُنَّا بِالْبَصْرَةِ وَأَقَمْنَا بِالْمَدِينَةِ.
وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِقَوْلِ الشَّمَّاخِ:
وَهُنَّ وُقُوفٌ يَنْتَظِرْنَ قضاءه ** بضاحي غداة أَمْرُهُ وَهُوَ ضَامِزُ

أَيْ فِي ضَاحِي وَهِيَ نكرة.
وللمجاوزة كـ: (عن) نحو: {فاسأل به خبيرا}.
{سأل سائل بعذاب واقع}.
{ويوم تشقق السماء بالغمام} أي عن الغمام.
{بين أيديهم وبأيمانهم} أَيْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ.
وَلِلِاسْتِعْلَاءِ كَعَلَى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أَيْ عَلَى قِنْطَارٍ كَمَا قَالَ: {هَلْ آمَنُكُمْ عليه}.
ونحو: {وإذا مروا بهم يتغامزون} أَيْ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مصبحين}.
وللتبعيض كـ: (من) نحو: {يشرب بها عباد الله} أي منها وخرج عليه: {وامسحوا برؤوسكم}.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا بَاءُ الِاسْتِعَانَةِ فَإِنَّ مَسَحَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَهُوَ الْمُزَالُ عَنْهُ وَإِلَى آخَرَ بِحَرْفِ الْجَرِّ وَهُوَ الْمُزِيلُ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَامْسَحُوا أيديكم برءوسكم.

.(بَلْ):

حَرْفُ إِضْرَابٍ عَنِ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتٍ لِلثَّانِي يَتْلُوهُ جُمْلَةٌ وَمُفْرَدٌ.
فَالْأَوَّلُ: الْإِضْرَابُ فِيهِ، إِمَّا بِمَعْنَى تَرْكِ الْأَوَّلِ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ بِإِبْطَالِهِ وَتُسَمَّى حَرْفَ ابْتِدَاءٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولدا سبحانه بل عباد مكرمون} أَيْ بَلْ هُمْ عِبَادٌ وَكَذَا: {أَمْ يَقُولُونَ به جنة بل جاءهم بالحق}.
وَإِمَّا الِانْتِقَالُ مِنْ حَدِيثٍ إِلَى حَدِيثٍ آخَرَ وَالْخُرُوجُ مِنْ قِصَّةٍ إِلَى قِصَّةٍ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ عَنِ الْأَوَّلِ وَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَاطِفَةٌ كَمَا قَالَهُ الصَّفَّارُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة}.
{بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا}.
وَقَوْلِهِ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ من ربك}، انْتَقَلَ مِنَ الْقِصَّةِ الْأُولَى إِلَى مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا.
{وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شك منها بل هم منها عمون} لَيْسَتْ لِلِانْتِقَالِ بَلْ هُمْ مُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ.
وَقَوْلِهِ: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أزواجكم بل أنتم قوم عادون}.
وفي موضع: {بل أنتم قوم تجهلون}.
وفي موضع: {بل أنتم قوم مسرفون}.
والمراد تعديد خطاياهم واتصافهم بهذه الصفات وبل لَمْ يَنْوِ مَا أَضَافَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ إِتْيَانِ الذُّكُورِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْإِنَاثِ بَلِ اسْتَدْرَكَ بِهَا بَيَانَ عُدْوَانِهِمْ وَخَرَجَ مِنْ تِلْكَ الْقِصَّةِ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ.
وَزَعَمَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ وَابْنُ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِهَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ لِمَا سَبَقَ وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ إِبْطَالُ مَا لِلْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُهُ لِلثَّانِي إِنْ كَانَ فِي الْإِثْبَاتِ نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو فَهُوَ مِنْ بَابِ الْغَلَطِ فَلَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي كَلَامٍ فَصِيحٍ وَإِنْ كَانَ مَا فِي النَّفْيِ نَحْوُ مَا جَاءَنِي زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْغَلَطِ يَكُونُ عَمْرٌو غَيْرَ جَاءٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُثْبَتًا لِعَمْرٍو الْمَجِيءُ فَلَا يَكُونُ غَلَطًا انْتَهَى.
ومنه أيضا: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا}.
وَقَوْلِهِ: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يظلمون بل قلوبهم في غمرة}.
وَقَوْلُهُ: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كفروا في عزة وشقاق}، ترك الكلام الأول وأخذ بـ: (بل) فِي كَلَامٍ ثَانٍ ثُمَّ قَالَ حِكَايَةً عَنِ المشركين {أأنزل عليه الذكر من بيننا} ثُمَّ قَالَ {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذكري} ثم ترك الكلام الأول وأخذ بـ: (بل) فِي كَلَامٍ آخَرَ فَقَالَ: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عذاب}.
وَالثَّانِي-أَعْنِي مَا يَتْلُوهَا مُفْرَدٌ- فَهِيَ عَاطِفَةٌ ثُمَّ إِنْ تَقَدَّمَهَا إِثْبَاتٌ نَحْوُ اضْرِبْ زَيْدًا بَلْ عَمْرًا وَأَقَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو فَقَالَ النُّحَاةُ هِيَ تَجْعَلُ مَا قَبْلَهَا كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَيُثْبَتُ مَا بَعْدَهَا وَإِنْ تَقَدَّمَهَا نَفْيٌ أَوْ نَهْيٌ فَهِيَ لِتَقْرِيرِ مَا قَبْلَهَا عَلَى حَالِهِ وَجَعْلِ ضِدِّهِ لِمَا بَعْدَهَا نَحْوُ مَا قَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وَلَا يَقُمْ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو.
وَوَافَقَ الْمُبَرِّدُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا غَيْرَ أَنَّهُ أَجَازَ مَعَ ذلك أن تكون ناقلة مع النَّهْيِ أَوِ النَّفْيِ إِلَى مَا بَعْدَهَا.
وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ قَبْلَهَا النَّفْيُ هَلْ تَنْفِي الْفِعْلَ أَوْ تُوجِبُهُ؟